أرشيف المدونة
احصائيات المدونة
الكوفي ..تخلد أمجاد بني الصومال!
شهدت المواجهات الإسلامية المسيحية في الحبشة منذ القرن الثالث عشر احتلال الحبشيين لأجزاء من الأراضي الإسلامية, من بينها إمارة إيفات التي كانت تسيطر على مساحة شاسعة تمتد من زيلع وحتى منطقة شوا حيث تقع أديس أببا اليوم. الأمر الذي دفع بالإمام محفوظ من زيلع أن يحشد عسكره لاستعادة الأمجاد الضائعة , قبل أن يستشهد وهو يقاتل الإمبراطور بلبنا دنقل, وبعده تسلم الراية الإمام الغازي الذي وّحد القبائل الصومالية, التى ظل الإمام يصفها "الأسود الضارية". هذه القبائل التي طفح بها الكيل من الهجمات البرتغالية المتواطئة مع الحبشة على بلادهم, فقد احتلت زيلع ودُمرت بربرة وارتكبت الآلة الغربية أبشع الجرائم في حق المسلمين. فأقبلت وفود القبائل إلى الإمام راغبة في تغيير واقعهم الماساوي. لتبدا مرحلة جديدة تكون فيها للمسلمين اليد العليا ولتنقلب موازين القوى في المنطقة, فبادر الإمام برفض دفع الجزية المفروضة, ثم تصدى للإمبراطور بلبنا دنقل وهزمه, وعندئذ بدأ في مشروع استعادة الأراضي الإسلامية شِبراً شِبرا, فنكل بملوك الحبشة واستحوذ على مجمل المساحة الجغرافية لإثيوبيا الحالية, وقتل ملوكهم, ولم يكتفي بذلك بل لحق فلولهم إلى مناطق لم يدخلها الإسلام من قبل, حيث اتجه شمالا ليدخل أكسوم التي لطالما توجت ملوك الحبشة, مما أجبر أحد ملوك الحبشة أن يرسل إلى الإمام قائلا :" يكفي ماصنعت بنا, فابقى في بلادك".
وواصل زحفه حتى وصل الى إمارة كسلا السودانية الإسلامية, ثم إلى الشرق حتى تمكن من الهضبة الإريترية , ثم بعد أن دانت له الحبشة كلها, سرح جيوشه, فعادت القبائل الصومالية الى موطنها, فاستغل الحبشيون هذه الفرصة, واستعانوا بالبرتغاليين تحت قيادة فاسكو دي جاما, الأمر الذي انتهى باستشهاد الإمام, وزحف الحبشيون مجددا إلى الأراضي الإسلامية, وبعد فترة وجيزة انبرى لهم نور بن مجاهد أمير هرر وخليفة الإمام أحمد, الذي حشد حوله القبائل الصومالية مجددا, وخاض حروبا استمرت اثنتي عشرة عاما, حقق من خلالها انتصارات حاسمة, وثأر لمقتل الإمام أحمد, فقتل قاتله " جلاديوس " ملك الحبشة, وأعاد شيئا من إنجازات الإمام الغازي, حتى عرف بالفتح الثاني، ويعتقد سكان منطقة جيبي التاريخيه أنه عندما وصل بن مجاهد إلى منطقتهم أمر قواته بالكفِّ عن القتال, مخاطبا إياهم "كفى!" وعاد أدراجه إلى هرر.
تمكنت الحبشة في القرون التي تلت وبالتعاون مع الألة الغربية في الإستيلاء على الأراضي الإسلامية, عملا بموجب اتفاقية برلين (1884-1885) الذي اتفقت فيه الدول المؤتمرة على وضع عدة قواعد لتنظيم الإستعمار في إفريقيا, وكان من ضمنها إعطاء الأراضي الإسلامية للحبشة, فاستولى الإمبراطور منيلك على معقل الإسلام في هرر 1887, وعين والد الإمبراطور هيلاسيلاسي حاكما عليها. ثم قامت بريطانيا بمنح منطقة هود للإمبراطور هيلاسيلاسي. هذا الإنحياز الغربي ساهم في بروز بعض القوى الإسلامية هناك, ولكن الغرب كان لهم دوما بالمرصاد لحماية الاقلية المسيحية في المنطقة.
وبمجرد أن تحرر الشطران الشمالي والجنوبي من بريطانيا وايطاليا على التوالي, لم ينتظر الصوماليون كثيرا قبل أن يشرعوا في استعادة الأراضي الباقية. شنوا حربا ضد الإحتلال الإثيوبي في الصومال الغربي في الستينات, ثم أعقبوه باجتياح شامل في عام سبعة وسبعين, واستعادوا معظم بلادهم, ولكن القوى المسيحية هرعت "مجددا" لنجدة إثيوبيا, فكسر السوفييت والكوبيون ظهر الجيش الصومالي, ثم بعدها انشغل الصوماليون في أزمات داخلية كانت أثار حرب السبعينات عاملا محركا فيها
لعل هذا الوضع التاريخي يفيدنا في فهم العلاقات المتوترة في هذه المنطقة من العالم, وكيف أن أديس أببا كانت وستظل ستظل راعية للفوضى الخلاقة التي أعقبت سقوط نظام بري في الصومال, فعمدت إلى دعم الفصائل بعضها ضد بعض, ثم عندما انتشلت المحاكم مقديشو من براثن هذه العصابات, تدخل السلاح الإثيوبي لإعادة الأمور لسابق عهدها, وهكذا يبقى جنوب الصومال يسير في دوامة ليس لها قرار. وفي بونتلاند تتدخل إثيوبيا حتى في تعيين وعزل وزرائها. صوماليلاند ومشروع الشرعية الدولية ورقة أخرى بيد أديس أبابا, فماالذي يدعو إثيوبيا أن تهرع في الإعتراف بكيان يعتبر منفذها البحري, ثم أن الإعتراف بصوماليلاند ربما يعزز من فرص خروج بقية الصوماليين من نفقهم المظلم. وتسعى اثيوبيا نحو تضييق الخناق على الجبهات الإسلامية من خلال تنسيقها الأمني مع صوماليلاند وبونتلاند, وأحيانا تجتاز الحدود الدولية في وضح النهار. وبالرغم من أن السياسات الاثيوبية واضحة في المنطقة الا أن السواد الاعظم من القيادات الصومالية تتدافع نحو أديس أبابا, وتروج مؤخرا لتناسي التاريخ والجغرافيا وأن اثيوبيا تسعى لما فيه الخير للأمة الصومالية . سياسات انهزامية, لاتنطوي على أحد, ولا حتى على فنجان القهوة!!
فتى البراري...(1)
فمارايته ولو على مضض, يجعلني اصدق مايحكى من بطولات ومن تنوع للكائنات وبشكل كبير...
قبل ثلاثة وعشرين عاما, اخذتنى جدتي لرؤية اخوالي الذين وبطبيعة الحال رعاة غنم وابل وبقر , نعم ...
انهم بدو رحل لايستقرون في بقعة من الارض, كل فترة يحلون في ارض, اكواخ بدائية , وقطعان من الابل والبقر والغنم....
اتت جدتى واخذتنى من جدتي , وقالت انها ستعلمنى مهنة العائلة, فان عائلة ابي فلاحون وعائلة امي رعاة ابل بالدرجة الاولى, وكم كنت متشوقا لرؤية الحياة في البراري, كنت اتخيلها ممتعة ,,ولكن كل هذا سيتغير عما قريب...
قطعنا مئات الكيلومترات بسيارتنا اللاندوفر القديمة التى وبشكل عجيب تسير على طريق مهما كان وعرا...فتجتاز الوديان الجافة, وتعبر الهضاب الصخرية, وتمر بالغابات الشوكية....ثم بعدها صمت متقع...لاضجيج غير طيور القولي والغربان الكثيرة....ثم مررنا بمزارع الذرة التى لاتنتهى ...فتوقفنا ومن غير اذن مسبق نزلنا في وسط مزرعة استطعمنا اهلها فقدموا لنا" القرو" مع حليب والصبق...ولكنى رفضت الاكل اذ اننى لم اعتد اكل تلك الامور!
اكلت من الذرة وبعضا من القصب الذي قطفته بنفسي, ثم العمبي عاد....ومضينا ...
ففهمت اننا لازلنا في" الادن" idhanka .....
وبعد قليل رايت بعضا من الخيول البرية التى فرت من صوت سيارتنا التى تثير الاتربة وهى تطوي المساحات....
وصلنا ساعة الغروب , الى ارض مستوية تحيطها اعشاب جافة ...ومحاطة باشجار شوكية عملاقة قطعت وسيج بها البيت ..
البيت عبارة عن كوخان احدهما صغير , والاخر كبير ليس لهما باب, وهناك حظائر مسيجة كبيرة,...
بجانب البيت هناك شجرة يستظل بها اهل البيت, بعد الاحضان والقبل والدلال من قبل الخالات , نظرت حولي .
اين الرجال ...اين الاطفال?
وماهى الا لحظات الى وتسرع خالتى لفتح حظيرة صغيرة, واذا بصغار الغنم "وحرو" waxaro...او الحمل والجدى .. تعود على ...اعداد هائلة, خمسون او يزيدون ....فاسرعت فرارا خشية منهم!
واخيرا اغلقت الحظيرة, والتقيت بخالي الصغير, انه يكبرنى بعام فقط, لكنه راعى ماهر, معه عصاة صغيرة وقربة ماء...وبدا يسرد عن اخبار اليوم وكيف انه فقد احدى الحيوانات فقد خطفها المفترس!!
فاوقع في يدي....
مفترس?
فبدات اصيح...اريد العودة قبل ان يحل الظلام هنا....فضحكوا جميعا...
واثناء ذلك... سمعت ضجة عارمة ..انها قطعان الغنم والمعيز...ياااااااااه ما اكثرها ...لقد دوى صوتهم في كل مكان....ماهذا انهم ملؤا الحظيرة ...
فاسرعت الخالة في حلب بعض المعيز, ثم تترك الحملان ترضع منها...
وعندها تعرفت على خالي الاخر الاكبر سنا ...وفي حينها عادت الابقار...وكم جزعت منها لانها كانت قادمة بسرعة ثم بعضها يدخل سياج البيت بدلا من الحظيرة...
ياللهول ...
وقبل ان يحل الظلام, و السماء اكتسبت لونا احمرا, قدمت الابل,
الكثير والكثير منها....وكان اثنين من الاخوال يرعونها...
غير ان احدهم عاد بالقطيع, والاخر بدا يبحث عن ذكر هائج, خرج من القطيع, ....
وعاد به في اليل, ....ثم تحملقنا حول نار اشعلت في وسط الساحة...واشربت من حليب الابل حتى شبعت ثم بدا الجميع يسرد حكايته ونسمر حتى نعست, ودخلت الكوخ لانام, الا ان اخوالى اخرجونى والحوا علي, قائلين ان الرجال ينامون في البر "duleedka
والسماء لحافنا....فبادت اعد النجوم ... ولم انم خوفا من البقر الذي لايكف عن الخوار ...والابل التى لاتكف عن اللعب ...خشية ان يقفزو علينا....
وبعدما ظهر القمر في وسط السماء ...ونوره ملئ الارض...وبامكانى رؤية الحيوانات ... وبدا الجميع يشخر ...
وانا لااستطيع ان اغمض عيني ..
حينها.. بدات الضباع تصدر اصواتها ...."مووووووووء.....مووووووووء...مووووووووء
ياللهول...انا مرعوب ...لااستطيع الحراك....خشية ان يراني الضبع ...فايقظت خالي الذي قام ...وقال لي ...
"هذا علي نعص....لن يجرؤ على الاقتراب!!"
ياللهول ....الضبع عندهم يدعى "على نعص!!"....وهو ينامون غير مكترثين...
والمواشي غير مكترثة!!
وقال لي ..."الخوف فقط ان هاجمنا قطعان الاسود"
ونحن لسنا في منطقتها الان..................
هذا ماكان ينقصني ...اسد يهاجمنا !!
فاصبحت اراقب في نهاية الطرق المحيطة بنا, ثم رايت فعلا ظلالا تتحرك فعلمت انها الضباع التى تصدر الاصوات ..
الغريب ان هذه الضباع تضحك احيانا ...!
لاامزح....انها تصدر اصوات تشبه الضحك ...
فارتعب خوفا ....ولكننى نمت ....
فكما اخبرونى غدا يوم حافل............
كل الطرق تؤدي الى هرجيسه !!
وحقيقة هذه ليست المرة الاولى التي تطرح مثل هذه المبادرة بهذا الشكل, فلقد صرح بها السيد عبدالقاسم صلاد حسن ابان مدة توليه الحكومة المؤقته, وحينها كان يخاطب شعب صوماليلاند ويدعو علنا ان تتشكل حكومة في هرجيسه, العاصمة الجديدة للجمهورية الصومالية الحديثة, بل ان الرئيس السابق عبدالله يوسف اعلن مرارا حين كان رئيسا لولاية بونتلاند, عن ترحيبه باي مشروع وحدوي بين ولايته وصوماليلاند ليشكلا معا نواة الجمهورية الجديدة, لذا من حيث التاريخ فهذه مبادرة قد مضى عليها الزمن, واعتقد انه من حيث المبدا وبعيدا عن العوامل الانية, انها اطروحة عبقرية اذا نظرنا اليها من زاوية الوحدويين الصوماليين, الذين يرغبون في احياء جمهورية الصومال, بحدودها التى عرفت بها منذ العام 1960. فالمبادرة علاج سحري لجميع الاوبئة السياسية في الداخل كما يقولون :
الوريا احمد نور او على او فارح!!
الوريا,,, وسياسة التقليد!
بدو رحل ولو في الصين!
ماطار طير وارتفع ..
الولادة القيصرية لجمهورية صوماليلاند
شاءت الأقدار أن ترزح صوماليلاند تحت وطاة المستعمر الاوربي طيلة الستة والثمانين عاما التي سبقت استقلالها عنه في السادس والعشرون من يونيو لعام 1960 . حظيت الدولة الوليدة حينها بدعم دولي منقطع النظير, ففي خمسة ايام فقط اعترفت بها خمس وثلاثون دولة من ضمنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وما ان اتى الفاتح من يوليو من نفس العام حتى قامت الجمهورية الصومالية التى كانت بداية مشروع وحدوي للوطن الصومالي, لكن الامور لم تجري كما اشتهى الشماليون, فلقد اسقطت جميع حقوقهم كشريك في تلك الوحدة, فيما راى السياسيون ان صوماليلاند ليست سوى جزء من صوماليا . كانت هذه الشرارة التي ولدت احداث العام 1961 , حيث قاطع سكان صوماليلاند الاستفتاء الذي كان يعتبر الوثيقة الوحيدة التي تربط صوماليا بصوماليلاند, حيث بلغ مجموع من صوت في هذا الاستفتاء 100,000 فقط لاغير, ناهيك انهم وباغلبية بلغت 60% صوتوا ضد الدستور الوحدوي. لم تستجب الادارة الجنوبية لهذا المؤشر الخطير وهذا ما حمل بعض الضباط الصوماليلاندين على الانقلاب بعد خمسة اشهر فقط من الاستفتاء, بيد ان هذا الانقلاب افشل في ساعته. الامور في صوماليلاند لم تعرف الاستقرار منذ حينها, الامر الذي استدعى مواجهات علنية في مرحلة لاحقة كان من نتائجها سقوط دولة الوحدة وعودة صوماليلاند من جديد
خيار الاستقلال
يتساءل الوحدويون بين الفينة والاخرى عن الاسباب التي دفعت صوماليلاند ان تنسحب من الوحدة عام 1991, و كأنِّ الدخان لم يزكم انوفهم طيلة السنوات 1960-1991 ???
نعم, قد تكون مجازر النظام ضد الشعب العزل عاملا للانسحاب من الوحدة, لكنها قبل ذلك نتيجة لعصيان مدني, فهل تساءل الوحدويون عن اسباب استياء شعب صوماليلاند من وجودها ضمن دولة الوحدة?
نعم, قد سعى الصوماليلانديون لوحدة شاملة لكل الاراضي الصومالية, لكنهم لم يقولوا ان نسميها صوماليا (الاسم الرسمي للجنوب). ونعم الصوماليلانديون دخلوا الوحدة بمعروف, فكيف لايقبل منهم ان يتركوها باحسان? اليس اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر!
صوماليلاند لم تمارس غير حقها في تقرير مصيرها, ولكن يبقى ان نجيب على تساؤل الاخوة في اسباب هذا القرار. اهم هذه الاسباب هي اعادة هوية حاول البعض طمسها. واي مشروع وحدوي باي شكل من الاشكال لايخدم هذا الهدف, فقد طرحت افكار وحدوية كالنظام الكونفدرالي. ودعاة هذا النظام يهدفون كما صرحوا بانفسهم الى الحفاظ على حدود صومليا كما كانت قبل 1991, غير ان هذا النظام لايخدم الهدف الذي من اجله قامت صوماليلاند.
عجلة الديمقراطية
تعيش البلاد حالة من "الدمقرطة" وهي عملية تحول المجتمع القبلي الى مجتمع يمارس الديمقراطية , في سابقة حضارية في القرن الافريقي الصومالي, ومن الجدير بالذكر فان النظام التقليدي اصبح اليوم في المقعد الخلفي, ولا يعتد به الا في المناطق النائية التى تضعف فيها سلطة الحكومة, فتستعين الحكومة بالزعماء التقليديين لفرض سلطتها على تلك المناطق. وبالمقابل امن زعماء القبائل مركزهم الاجتماعي بحكم الدستور مما جعلهم ينقادون للحكومة ويساندونها في كل المجالات فبعدما كان الحاكم يٌختار من قبل وجهاء القبيلة, وكان الكرسي حكرا لقبيلة دون الاخرى, اصبحنا نرى اليوم تعددية حزبية, وانتخاب مباشر, واصبح زعماء العشائر يتحدثون عن التنافس السياسي. فتسمع ان احد وجهاء قبيلة ما انضم لحزب التجمع الديمقراطي (أودوب ) او انه انضم لحزب التضامن ( كلميه ) بينما لايؤثر ذلك في اصوات الناخبين. ويبدو ان الشعب قد تعود على الازمات السياسية الموسمية والمشكلات الدستورية, التى لاتلبث ان تتازم ثم تنفرج لتكشف عن النضج السياسي الذي بلغه أبناء هذه الجمهورية. وبالتاكيد فان هذه الازمات تصب في مصلحة الجمهورية كون نتائجها تجب مشاكل في المستقبل, مما يعد بمستقبل ديمقراطي مشرق.
ويبدو ان الجمهورية استطاعت وخلال العشر سنوات الاخيرة في طمس العصبية القبلية, فانتهجت في ذلك وسائل من بينها :
• استحداث القاب جديدة في هرم القبيلة لم تكن موجودة من قبل من مثل لقب الملك
• تعيين سلاطين جدد بجانب السلطنات الوراثية,فاصبح في كل فخذ اكثر من سلطان
• الحاق صفة سياسية بالسلاطين وتقنين دورهم في المجتمع, كمجلس الشيوخ
هذه الممارسات وغيرها عجلت من عملة الدمقرطة, وتمخض عنها وعي سياسي ناضج قادر على تجاوز اصعب العقبات السياسية, وكان اخر هذه العقبات, الازمة الدستورية حول الانتخابات الرئاسية, والتي هول من امرها البعض الى الحد الذي جعل الوحديين يطبلون لفناء هذه الجمهورية, الا ان المسالة كانت ابسط من ذلك, و أٌسدِل الستار على هذه المسالة , واتفقت الاحزاب الوطنية على اتفاق حظي باهتمام اقليمي ودولي .هذه الازمة لم تكن الاولى من نوعها في البلد الذي يشهد نقلة نوعية بتحوله من مجتمع قبلي الى مجتمع ديمقراطي, بل كانت نتيجة طبيعية اشبه بالتاثير الجانبي لتناول الادوية. والناظر بعين البصيرة للمشهد السياسي خلال العقدين المنصرمين يرى حجم النقلة النوعية التى احدثتها دوران عجلة الديمقراطية.
الشرعية الدولية
استقلت صوماليلاند عن بريطانيا قبل ايام من استقلال شقيقتها, وخلال تلك الايام اعترفت اربع وثلاثون دولة بها من ضمنها الولايات المتحدة, وبريطانيا. غير ان صوماليلاند الحت في مساعي الوحدة مع شقيقتها الجنوبية رغبة في وحدة شاملة لكل الاراضي الصومالية. وتخليها اليوم عن خيار الوحدة ليس بسابقة في العالم, فمن المعلوم ان كثيرا من الدول القائمة الان كانت ضمن مشاريع وحدوية, وتخلت عنها كمثل:
· السنغال ومالي (عام ١٩٦٠).
· مصر وسوريا (عام ١٩٦١).
· رواندا وبروندي (عام ١٩٦٢).
اثيوبيا و اريتريا , السنغال وجامبيا وغيرهم, من المشاريع الوحدوية التى لم تستمر. فبعض هذه المشاريع انتهى بفجيعة دفعت ثمنها الامم ذات العلاقة, وبعض المشاريع انتهت بشكل ايجابي, والدور اليوم على الصوماليين ليعتبروا بغيرهم. وفي هذا السياق قامت صوماليلاند باستفتاء شعبي لتقرير المصير, حضره مراقبون من كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي ليشهدوا ليشهدوا سير الاستفتاء في 600 مركزا حول انحاء الجمهورية. كانت نتيجة الاستفتاء مؤيدة لعودة صوماليلاند وباغلبية ساحقة بلغت 97%. لاشك ان هذا الامر خلق واقعا جديدا في المنطقة, فاهم ما يعزز وجود صوماليلاند هو اقتناع الشعب بالنظام السياسي المتبع , وأن أنجح أنظمة الحكم هو نظام الدولة الحديثة التي يسود فيها حكم القانون الذي يفرض المواطنة المتساوية، لا الحكم القبلي الطبقي, وهذا ماتحقق ولوبشكل نسبي في هذه الجمهورية, الامر الذي استدعى منظمة الاتحاد الافريقي ان تبعث بلجنة لتقصي الحقائق عام 2005, يقودها نائب رئيس الاتحاد السيد باتريك مازيمھاكا والذي وصف في تقريره بان ملف صوماليلاند فريد من نوعه, وان اتحادها بصوماليا عام 1960 لم يتم التصديق عليه رسمياً قط, وان مطالب صوماليلاند تستند على اسس متينة.َ غير ان ارادة الاتحاد سلبت من قبل البلدان العربية ذات التاثير الكبير في محيط القارة السمراء, كجمهورية مصر العربية والجماهيرية الليبية اللتين تدعمان الحكومات الانتقالية المتعاقبة منذ عشرين عاما. فمصر ترى بضرورة وجود دولة صومالية موحدة تكون بالقرب من منابع النيل في ظل تواجد اسرائيلي في اثيوبيا .
وفي ظل سيطرة المتطرفين على مجريات الامور في صوماليا, ووقوف المجتمع الدولي عاجزا عن ايجاد وصفة ناجعة للازمة التي استمرت العقدين من الزمن, تنامت الاصوات الداعية لايجاد حلول من نوع اخر . ومن تلك الحلول مثالا لاحصرا تقسيم البلاد, وهذا ما ينادي به كثير من المفكرين الغربيين, ويتضح ذلك في المؤتمرات التى يقيمها ابناء صوماليلاند في الخارج والتى تحظى بحظور مكثف من قبل البرلمانيين والمفكرين الغربيين. وهذا مادعى القيادات الاوربية لللاعتقاد بان منح الشرعية الدولية لصوماليلاند سوف يؤدي بالضرورة الى قيام دولة صومالية, تلعب فيها صوماليلاند دور الوسيط في قيامها ربما, وهذا مااكد عليه المتحدث باسم المحافظين الاوربيين في البرلمان الاوربي شارلز تانو مؤخرا.
وفي خضم هذه الامور, ظهرت اسرائيل في الصورة, فبعد زيارة وزير خارجية اسرائيل أفيغدور ليبرمان لبعض البلدان الأفريقية، مبتدا باديس ابابا التي تحتضن سفارة صوماليلاند, طالعتنا الصحف بتصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية "بيغال بالمور" يشير فيه الى أن إسرائيل مستعدة للاعتراف بصوماليلاند ، وأن إسرائيل كانت أول دولة اعترفت بصوماليلاند مند استقلالها عام 1960 قبل توحد شطري الجنوب والشمال ليشكلا معًا جمهورية الصومال وتغدو مدينة مقديشو عاصمة لهما. ويوضح بيغال قائلا: " ...لقد اعترفنا بجمهورية أرض الصومال مند أن حصلت على استقلالها من بريطانيا، وها نحن مستعدون للاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة في القرن الأفريقي، لكي نتعاون معًا على أمن البحر الأحمر".
الانتخابات الرئاسية
بعد أن استحقت الصومال لقب الدولة الفاشلة, واستحوذت الجماعات الاسلامية الموالية لتنظيم القاعدة على مجريات الامور في صوماليا, كان لزاما على المنظومة الدولية ان تركز انظارها نحو مشروع صوماليلاند, في محاولة منها لاعادة النظام والاستقرار للقرن الافريقي. غير انه من المستبعد ان تعترف اي جهة بصوماليلاند قبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة, فهذه الانتخابات وبغض النظر عن نزاهتها او نتائجها لابد ان تتم في جو سلمي وحضاري, مما سيمنح صوماليلاند مقعدا في الامم المتحدة. يرى البعض أن إجراء الانتخابات في موعدها المقرر وليس تأجيلها، هو الذي سيعجل بالاعتراف الدولي, شريطة ان لا تخرج الامور عن السيطرة . الانتخابات القادمة هي نسخة مكررة من سابقتها, فالاحزاب هي نفسها, والمرشحون هم انفسهم, وكل طرف اعد نفسه جيدا لهذه المنازلة الديمقراطية, فلمن ستقرع الاجراس ?
لولا هذه الانتخابات لما تردد الحزب الحاكم في قبول العرض الاسرائيلي, لكن الظرف حكم, فالشعب الصوماليلاندي لن يتفهموا مسالة تواجد اسرائيلي بين اظهرهم, وهذا ما المح اليه احد المشايخ في هرجيسا, حيث استهجن العرض وطالب الحكومة بالبحث عن طريق اخر غير تل ابيب, غير ان الامر لم يحسم بعد, فالمعلوم ان معظم المثقفين لا يرون باسا من وجود "بن حاييم او بن عيون" بين اظهرهم , فهم كالبقرة الحلوب التي ستغير الكثير من اوضاع صوماليلاند . على اية حال, الحكومة في صوماليلاند لن تقبل عرضا من اسرائيل في هذا الوقت من العام, فخطوة كهذه قد تستفيد منها المعارضة وتتعمد كسر "مواسير" عواطف الشعب وهذا ليس في مصلحة السيد طاهر ريالي وحكومته, لذا فالارجح ان موعد انضمام صوماليلاند للمنظمة العالمية مؤجل حتى تنقضي الانتخابات .
الخلاصة
الناظر بعين البصيرة الى قضية صوماليلاند منذ نشاتها يعلم انها مسالة هوية, وان الاخوة في صوماليا لم يتفهموا هذه المسالة, واختلطت عليهم المفاهيم القومية والوطنية, فالبسوا الاخيرة لباس الاولى, فانهار مشروع الوحدة, واليوم وبعد قرابة العشرين عاما, لايزال الاخوة في صوماليا يرون ان صوماليلاند اقليم تابع لمقديشو, متناسيين ان نسبة كبيرة من سكان صوماليلاند ولدوا بعد ان اعادت صوماليلاند استقلالها, ولن يتفهموا مطالبة صوماليا لهويتهم وموطنهم, بل ان اصرار الساسة في صوماليا على موقفهم المناهض لصوماليلاند لا يبشر بمستقبل "اخوي" في القرن الافريقي الصومالي
لان هذا الجيل, لن يتوانى عن الدفاع عن خصوصيته وهويته كما قال الاستاذ بشير غوث في احدى المناظرات.